المركز القانوني
LCRDYE

الطفل وحقوق الإنسان

خلفيـــة تاريخية:

في عام 1959، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الطفل؛(1) فكان أول صلي كرسته الأمم المتحدة لحقوق الأطفال حصرا. ونادى الإعلان بالمبدأ القائل بأن “مصلحة الطفل الفضلى” يجب أن توجه أفعال وتصرفات الذين يؤثرون في الأطفال. وقدم الإعلان الأساس الأخلاقي والقانوني لوضع معاهدة ملزمة بخصوص حقوق الطفل.

ونادت الأمم المتحدة بعام 1979 عاما للطفل بمناسبة الذكرى السنوية العشرين لصدور إعلان حقوق الطفل. وفي نفس العام بدأت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في صياغة معاهدة حول هذا الموضوع؛ إلا أن القرار الخاص ببدء عملية الصياغة لم يكن واضحا؛ وكان من بين الاعتراضات عليه أن الأطفال، شأنهم شأن الكبار، مشمولون بأحكام معاهدات حقوق الإنسان القائمة؛ وعلاوة على ذلك، فهنالك أحكام في هذه المعاهدات تتعلق بالأطفال على وجه الخصوص.

وقد عالجت معاهدات حقوق الإنسان القائمة في ذلك الحين بعض القضايا المتعلقة بالطفل تلميحا في بعض الحالات، مثلما هو الحال في المواد المتعلقة بالتعليم؛ وصراحة في حالات أخرى حيث كان الطفل، أو العائلة – مدار بعض مواد تلك المعاهدات؛ فالعهد الدولي الخاص بالحقوق اقتصادية والاجتماعية والقافية، على سبيل المثال، يقر بحق كل فرد في التعليم؛ كما يستوجب ضمن ما يستوجبه جعل التعليم الابتدائي إلزاميا ومتاحا للجميع مجانا(المادة 13).

أما النصوص المتعلقة بالحق في العناية الصحية فهي تتضمن أيضا النمل على أن تتخذ الحكومات خطوات من أجل تخفيض معدل الوفيات بين الرضع، وتأمين النمو الصحي للطفل (المادة ق1).

كما يتناول العهد أيضا مسألة تشغيل الأطفال؛ حيث ينمن على أن من الواجب حماية الأطفال والمراهقين من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي. كما يجب جعل القانون يعاقب على استخدامهم في أي عمل من شأنه إفساد أخلاقهم أو الإضرار بصحتهم أو تهديد حياتهم بالخطر أو إلحاق الأذى بنموهم الطبيعي. وعلى الدول أيضأ أن تقوض حدودا دنيا للسن يحظر القانون استخدم الصغار الذين لم يبلغوها في عمل مأجور ويعاقب عليه.(2)

كما تتضمن اتفاقيات منظمة العمل الولية أنظمة وأحكاما أكم تحديدا بخصوص تشغيل الأطفال، خصوصا ما ورد متها في الاتفاقية رقم 138 لسنة1973 بشأن الحد الأدنى للسن، والاتفاقية رقم 182 لسنة 1999 بشأن أسوا أشكال عمل الأطفال.

ويشكل التمييز ضد الفتيات أحد الموضوعات التي تركز عليها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. ومن بين الالتزامات الواردة في تلك الاتفاقية وجوب اتخاذ التدابير اللازمة لخفض معدلات ترك الطالبات الدراسة.(3) كما تتضمن هذه الاتفاقية أحكامآ تهدف، إلى حماية المرأة كأم أقاء الحمل وبعده.

وتستوجب الاتفاقية أن تتضمن التربية العائلية إقرارأ واضحآ بأن يكون للرجل والمرأة “نفس الحقوق والمسؤوليات بوصفهما أبوين، بغض النظر عن حالتهما الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالهما وفي جميع الأحوال، يكون لمصلحة الطفل الاعتبار الأول”.(4)

وقد جاء قرار الأمم المتحدة بمواصلة العمل في إعداد مشروع لمعاهدة خاصة بحقوق الطفل، رغم وجود المعايير المذكورة آنفآ، وغيرها من المعايير القائمة حينذاك، استجابة للضغوط؛ فقد احتجت جماعات ضغط قوية — كما كان الأمر في حالة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة بأن الحاجة تدعو لوضع معايير أكثر دقة، خاصة وأن بعض الجوانب المهمة لحقوق الطفل غير مشمولة في المعاهدات القائمة. وكان أحد الجوانب التي أكدت عليها المنظمات غير الحكومية أنه قد اتضح مع مرور الزمن أن مصالح الأطفال لم تكن تتفق، دائما وبالضرورة، مع مصالح الأوصياء عليهم، وأن هناك ضرورة لتوضيح هذه النقطة بصورة أكبر في نمل شامل متكامل يركز على حقوق الطفل.

وفي عام 1989 اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل؛ ويعتبر نص الاتفاقية، الذي استغرقت صياغته في صورته النهائية عقدا كاملا، بمثابة قائمة فريدة في شمولها لمعايير حقوق الإنسان المتعلقة بالأطفال؛ فبالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بالطفل الواردة في معاهدات حقوق الإنسان الأخرى، كالمذكورة آنفاً فقد تضمن نمر الاتفاقية جوانب جديدة مثل بقاء الطفل وحمايته ونموه؛ كما تضمن أحكاما تتعلق بحقوق أخرى، مثل حق المشاركة. وتأخذ اتفاقية حقوق الطفل في الحسبان وضع أطفال الأقليات ومجموعات السكان الأصليين، وتتناول وقاية الأطفال المعرضين لخطر الإدمان على المخدرات والإهمال.

هذا كما قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 مايو/أيار 2000 باعتماد بروتوكولين اختياريين يلحقا باتفاقية حقوق الطفل، وهما; البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية وقد دخل حيز النفاذ في 18 فبراير/شباط 2002، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة وقد دخل حيز النفاذ في 18 يناير/ كانون الثاني 2002.

ومن الجوانب المهمة لاتفاقية حقوق الطفل أنها تعنف بعض المبادئ العامة التي تشكل في مجموعها منهجا في التعاطي مع حقوق الطفل تسترشد به برامج التنفيذ الوطنية. كما تشترك اتفاقية حقوق الطفل هيئات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في جهود الرصد والمراقبة والتنفيذ.

اتفاقية حقوق الطفل مبادئ عامة:

تكمن جذور اتفاقية حقوق الطفل في بعض المبادئ الأساسية المتعلقة معاملة الأطفال وشايتهم ومشاركتهم في المجتمع. وهذه المبادئ مدونة في بعض المواد الواردة في بداية الاتفاقية. وقد حددت لجنة حقوق الطفل هذه المواد لتكون بمثابة “مبادئ عامة” وذلك خلال دورتها الأولى المنعقدة في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول من عام 1991، والتي اعتمدت فيها اللجنة أيضا المبادئ التوجيهية المتعلقة بشكل ومحتوى التقارير الأولية الواجب تقديمها من قبل الدول الأطراف في الاتفاقية. ولقد كان هذا هو السباق الذي اتخذ في إطاره المقرر الهام للجنة والقاضي بالتأكيد على المواد 2 و3 و6 و12 من الاتفاقية بوجه خاص.(5)

وقد أدرجت الجوانب المتعلقة بتلك المواد تحت عنوان “مبادئ عامة”، وذلك ضمن المبادئ التوجيهية لإعداد التقارير، وتلاها بعد ذلك الأجزاء المتعلقة بما تضمنته الاتفاقية من قواعد بخصوص الحقوق والحريات المدنية، والبيئة الأسرية والرعاية البديلة، والصحة الأساسية والرعاية الاجتماعية، والتعليم وأوقات الفراغ والأنشطة القافية. وأوضحت اللجنة أنها تريد من الحكومات أيضا أن ترفع تقارير حول تطبيق هذه المبادئ بقدر ما لذلك من عاهة بتحقيق وتنفيذ المواد الأخرى في اتفاقية حقوق الطفل. وهكذا أصبحت الاتفاقية شيئا أكبر من مجرد قائمة بالالتزامات والواجبات؛ إذ إنها قدمت رسالة شاملة متكاملة.

مصالح الطفل الفضلى

إن أحد الجوانب الرئيسية للفلسفة الكامنة وراء اتفاقية حقوق الطفل هو أر الأطفال متساوون؛ وأنهم، كبشر، لهم نفس القيمة الأصيلة التي للبالغين الكبار. والتأكيد على حق الطفل في اللعب إنما يبرز أهمية الحقيقة القائلة بأن الطفولة ذات قيمة بحذ ذاتها ولذاتها، وأن هذه السنوات من العمر ليست مجرد فترة تدريب على حياة البلوغ والرشد. وقد تبدو الفكرة القائلة بأن للأطفال قيمة متساوية وكأنها حقيقة بديهية، لكتها في الواقع فكرة جذرية؛ لا تحظى اليوم بأي احترام على الإطلاق.

إن الأطفال وخصوصا صغار السن منهم عرضة للاذى، وهم في حاجة إلى دعم خاص حتى يكونوا قادرين على التمتع بحقوقهم على الوجه الأكمل. كيف يمكن أن يمنح الأطفال قيمة متساوية والحماية الضرورية في الوقت نفسه؟ يكمن جزء من الإجابة على هذا السؤال في مبدأ “مصالح الطفل الفضلى” الذي صيغ في المادة 3(1) من الاتفاقية على النحو التالي:

في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولي الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى.

وحينما تتخذ قرارات رسمية تؤثر على الأطفال، يجب، دائما، أن يُنظر إلى مصالحهم باعتبارها أمرأ هاما. ولا يجوز أن تكون مصالح الآباء أو الدولة الاعتبار الأهم على وجه الإطلاق؛ والواقع أن ذلك يعد من أهم التقاط التي تنطوي عليها اتفاقية حقوق الطفل.

احترام آراء الطفل

إن المبدأ السابق، بحكم طبيعته، يرتبط على نحو هام بمبدأ آخر، هو مبدأ احترام آراء الطفل. ولكي نحدد ما هو في مصلحة الطفل، فمن المنطقي أن نصغي إليه؛ هذا المبدأ تمت صياغته في المادة 12(1) من الاتفاقية على النحو التالي:

تكفل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولي لآراء الطفل الاعتبار الواجب وفقآ لسن الطفل ونضجه.

وقد وصف بعض المعلقين هذا المبدأ بأنه عنصر “المشاركة” في اتفاقية حقوق الطفل؛ والمقصود هو أن للطفل الحق في أن يصغى إليه، وأن تؤخذ أفكاره على محمل الجد. ومما هو جدير بالإشارة أن التقارير التي قدمتها الدول الأطراف حتى الآن بخصوص مدى وفائها بالتزاماتها تجاه الاتفاقية لا تغطي الجوانب المتعلقة بهذه المادة على نحو واضح؛ إذ أشارت بعض هذه الدول إلى أن للأطفال الذي يبلغون الثانية عشرة من العمر، مثلا، الحق في رفض تبنيهم أو تغيير أسمائهم أو جنسيتهم. ولم يكد أي من هذه الدول يبدي منحى شاملا إزاء هذا المبدأ الذي يؤثر في الحياة في إطار المدرسة والأسرة بل وفي السياسة أيضأ.

الحق في الحياة والبقاء والنمو:

تمت صياغة المبدأ الأكثر التصاقا بالحقوق اقتصادية والاجتماعية في المادة 6(2) من الاتفاقية والمتعلقة بالحق في الحياة. ولا تكتفي هذه المادة بمجرد منح الأطفال الحق في ألا يقتلوا وإنما تذهب لأبعد من ذلك. حيث تشمل الحق في البقاء والنمو:

تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه.

وكلمة “بقاء” غير معتادة في معاهدات حقوق الإنسان، فقد استعيرت من المصطلحات المستخدمة في المناقشات الخاصة بالتنمية وكان الهدف من ذلك إضفاء جانب ديناميكي على حق الطفل في الحياة، فيصبح بذلك متضمنا الحاجة لاتخاذ إجراءات وقائية، كالتطعيم مثلا.

أما تعبير “النمو” فيتعلق بالطفل الفرد ويجب تفسيره بالمعنى الواسع للكلمة؛ وهو يضيف بعداً نوعيا إلى هذه المادة. فليس المقصود منه الصحة الجسدية فقط، وإنما النمو العقلي والعاطفي والمعرفي والاجتماعي والثقافي.

ويمكن اعتبار المادة السادسة من هذه الاتفاقية منطلقا لسائر مواد اتفاقية حقوق الطفل التي تتعامل مع الحقوق اقتصادية والاجتماعية والقافية للأطفال. وتوحي عبارة “إلى أقصى حد ممكن” الواردة في هذه المادة بالتسليم بأن تنفيذ مضمون هذه المادة يتطلب موارد، وأن بعض الإجراءات قد لا تكون ممكنة بالنسبة للدول الأكثر فقرأ. وفي الوقت نفسه، تشير صياغة المادة السادسة إلى وجوب إعطاء الأولوية للوفاء بما تضمنته من التزامات في جميع الدول الأطراف في الاتفاقية.

ويركز جانب كبير من الحوار الدائر حول حق الأطفال في الحياة على قضية الإجهاض، فهناك إشارة إلى الطفل الذي لم يولد بعد في ديباجة اتفاقية حقوق الطفل، سببت بعض الخلط والالتباس؛ “… أن الطفل، بسبب عدم نضجه البدني والعقلي، يحتاج إلى إجراءات وقاية ورعاية خاصة، بما في ذلك، حماية قانونية مناسبة، قبل الولادة وبعدها”.

ومن الطبيعي والمنطقي أن يجد معارضو الإجهاض سنداً لموقفهم في هذه الصياغة، إلا أن ما تتضمنه الديباجة لا يعد جزءا من الالتزامات الرسمية بموجب الاتفاقية. والحقيقة أنه حينما اقترح إدراج مادة مناهضة للإجهاض أثناء صياغة الاتفاقية، رفُض هذا الاقتراح.

غير أن هناك جوانب أخرى لحماية وتنمية الطفل الذي لم يولد بعد، يمكن مناقشتها استنادا إلى اتفاقية حقوق الطفل. فقد أكدت لجنة حقوق الطفل على أهمية العناية الصحية بالنسبة للنساء الحوامل؛ إذ يتعرض الأطفال الذين تعاني أمهاتهن من سوء التغذية أو المرض لمخاطر منذ ولادتهم، ومن المهم تشجيع النساء

الاعتراف بأهلية الطفل

لقد بيعت أمينة، وهي فتاة مسلمة في الثالثة عشرة، إلى شيخ سعودي من قبل والبها مقابل مبلغ صغير. كانت أمينة واحدة من بين عدة أشقاء معظمهم من الإناث. وكان والدها يعمل نتاجا، والعائلة تعاني من فثر مدقع. تم تمويه “البيع” على أنه زواج، مع أنه، حتى في ظل الشريعة الإسلامية، كانت أمينة اصغر ستا من أن توافق على “النكاح”. لم تكن مأساة أمينة لتحظى بالاهتمام العام لولا ملاحظة مضيفة جوية حساسة ومتيقظة تدعى الآنسة أهلواليا، حيث انتبهت إلى وجود طفلة مضطربة ناهلة في الطائرة قبل إقلاعها من البلاد. فقامت أهلواليا بإبلاغ الجهات المختصة على الفور، وتم إبلاغ الشرطة، وألقي القبض على الشيخ، بينما أرسلت أمينة إلى ملجأ حكومي للأطفال في نيودلهي، يقع داخل مجمع يضم أيضا سجن تيهار سيئ السمعة في نيودلهي. ولم تكن المقاربة والمجاورة لتقف عند ذلك الحد، إن يقوم الملجأ بوظيفة السجن على الرغم من صفة “الملجأ” التي أعطيت له بموجب القانون.

تم رفع دعوى حركتها الشرطة ضد الشيخ وأبوي أمينة؛ وخلال فترة النظر في الدعوى التي استمرت عدة أشهر، عاشت أمينة بين جدران الملجأ الأشبه بالسجن، بينما راح والداها ينتقلان بين اندرا براديش البعيدة ومقل المحكمة في نيودلهي لحضور المحاكمة، متكبدين نفقات السفر الباهظة، فيما لجأ الشيخ إلى سفارة المملكة العربية السعودية في دلهي، وتنمكن في نهاية المطاف من الهروب من البلاد. كان طبيعيا أن تعرض علاقه أمينة بوالبها للتأزم والتوتر؛ وتوطدت علاقه صداقة بين أمينة والآنسة أهلواليا التي كانت تزورها بانتظام. وعبرت أهلواليا عن رغبتها في تبني أمينة أو، على اص، وضعها تحت رعايتها مؤقتا إلى أن تصدر المحكمة قرارها في القضية، لكن الدولة والمحاكم رفضت طلبها هذا.

وفي قضية رفعتها الآنسة أهلواليا وعدة منظمات نسائية، قررت محكمة دلهي العليا إعادة أمينة إلى وصاية والبها، وأرسلت إلى بيتها. وللحيلولة دون بيعها ثانية، أصدرت المحكمة توجيهات إلى حكومة الولاية تنص على توفير التعليم المجاني لأمينة، وعلى أن تراقب الولاية وضعها بصفة منتظمة، وتوفر الأمان الاقتصادي للعائلة. وعادت أمينة إلى البيت مع والبها، حتى قبل الفصل في القضية الجنائية المرفوعة ضدهما. لم ينظر إلى أمينة، في أية مرحلة من مراحل هذه القضية، على أنها شخص ذو أهلية أو قدرة على اتخاذ قرارات بالأصالة عن نفسها. فقد أعطي والدها الموافقة على “النكاح” بالنيابة عنها؛ والآنسة أهلواليا هي التي نبهت الشرطة والنظام القضائي؛ والدولة أو الولاية هي التي وضعتها في الملجأ؛ والمحكمة هي التي أعادتها إلى أبويها، وفي نهاية المطاف كان والداها هما اللذان ألحا عليها حتى أقنعاها بأن تميع شهادتها ضدهما في القضية الجنائية التي رفعت ضدهما.

ما الذي كانت تريده أمينة؟ نحن حقا لا نعرف، لأنها لم تسأل. فبينما اعير القانون ووالداها كما يبدو واضحا أنها بلغت سناً تؤهلها للزواج وممارسة النشاط الجنسي، لم تعط ولا حتى قدرا محدودا من السيطرة على وجهة طريق حياتها. ربما كان كل ما تريده هو أن تنفصل عن إخوتها وأخواتها، وأن تمتع بالسنوات الأخيرة من طفولتها في أمان وسلام.

إن عدم الإقرار بأهلية الأطفال وقدرتهم على اتخاذ القرار يخلف آثاراً سلبية للغاية لدى فئات معينة من الأطفال، كأطفال الشوارع الذين يتعودون في بس مبكرة على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، وعلى نمط معين من الحرية. ومعاملة الأطفال جميعا وكأنهم مجردون من أية أهلية، من دون الرجوع إلى أعمارهم وأوضاعهم وظروف حياتهم، تبدو وكأنها اعتداء مباشر على حقوقهم كأفراد.(6)

الحوامل على عدم تعاطي الكحول والعقاقير الأخرى، وكذلك الامتناع عن التدخين. وعند معالجة هذه المسائل، قد لا يكون مهماً ما إذا كان الأمر يستند إلى الحق في حماية الطفل الذي لم يولد بعد أو إلى حق الطفل المولود في التمتع بصحة جيدة في بداية حياته.

وقد أوضحت الدراسات الحديثة في علم نفس الطفل مدى أهمية الأيام والأسابيع والأشهر الأولى بالنسبة لنمو الطفل في المستقبل؛ وينبغي أخذ هذا بعين الاعتبار عند بذل جهود جدية لأعمال أحكام المادة 6. ومن الضرورة بمكان أن تتوفر للطفل منذ البداية إمكانية الارتباط والتواصل الكامل مع الأم و/أو مع بالغ آخر. ترى أيعرف كافة الآباء هذه الحقائق الأساسية؟

هل تتاح لهم الفرصة ليكونوا مع أطفالهم؟ تشير دراسات عدة حديثة أجريت في عدد من الدول الصناعية إلى أن حظ الآباء والأمهات من المعرفة غير كاب، وأن الوقت المخصص لأطفالهم هو سلعة نادرة. وتُعد مراكز الرعاية النهارية، والحضانات والمدارس العادية من البيئات الاجتماعية الأخرى ذات الأهمية الحاسمة بالنسبة للأطفال نظرا لما تتيحه لهم من فرصة لتنمية شخصياتهم.

عدم التمييز

ينص المبدأ العام الرابع من مبادئ اتفاقية حقوق الطفل، حسب تعريف، لجنة حقوق الطفل له، على أن يتمتع جميع الأطفال بالمساواة، وألا يعاني أي طفل من التمييز. وتنص المادة 2(2) من الاتفاقية صراحة على التزام الدول الأطراف بتوفير تكافؤ الفرص بين الأطفال;

تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل، أو والديه، أو الوصي القانوني عليه، أو لونهم، أو جنسهم، أو لغتهم، أو دينهم، أو رأيهم السياسي أو غيره، أو أصلهم القومي، أو الأثني، أو الاجتماعي، أو نزوتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر.

وفحوى هذه الفقرة يتعلق بالمساواة في الحقوق؛ إذ يجب أن تتاح للبنات نفس الفرص المتاحة للبنيين، كما يجب أن يتمتع أطفال اللاجئين وأطفال السكان الأصليين أو الأقليات بنفس الحقوق التي يتمتع بها غيرهم. ويجب أن توفر للأطفال المعوقين الإمكانات اللازمة ليعيشوا حياة كريمة.

حقوق الطفل والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافة:

يبدو إجمالا أن اتفاقية حقوق الطفل قد أسهمت في الدفع تجاه نقاش أكثر إيجابية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والقافية عموما. إذ دعم الاتفاقية، بحكم طبيعتها، الموقف القائل بأن جميع الحقوق غير قابلة للتجزئة، وأنها مترابطة ويتوقفا بعصيها على بعض وقد ازداد هذا المبدأ وضوحا من خلال النهج الشمولي الذي انتهجته لجنة حقوق الطفل في أعمال الرصد والمراقبة التي قوم بها. وتتضمن معظم مواد اتفاقية حقوق الطفل عناصر الحماية والمشاركة والتنمية، وهذه العناصر وثيقة الصلة بكلا العهدين الدوليين.

ونظرا للنهج الشمولي لاتفاقية حقوق الطفل، فليس من الواضح أي من مواد الاتفاقية يجب أن ينظر إليها على أنها تدرج ضمن مجموعة الحقوق اقتصادية والاجتماعية والقافية. غير أن المواد التي تناولتها اللجنة ضمن المبادئ التوجيهية لإعداد التقارير، تحت عنوان “الصحة الأساسية والرعاية الاجتماعية”، هي حتما ذات صلة بتلك الحقوق. وينطبق ذلك على الأحكام الواردة تحت عنوان “التعليم وأوقات الفراغ والأنشطة القافية”. ومن بين المواد الأخرى ذات الأهمية بهذا الخصوص بعض المواد التي وضعت تحت عنوان “تدابير خاصة للحماية”، وتعلق المواد الأخيرة بفئات الأطفال المعرضة للأذى والضرر، أو أولئك الذين في ظروف خطرة. وتهدف بعض هذه المواد إلى حماية الأطفال ض مختلف أشكال الاستغلال، بما في ذلك الأعمال المحفوفة بالمخاطر.

هذا ولا بد أن يتناول التحليل الكامل للحقوق الاجتماعية الواردة في اتفاقية حقوق الطفل بعض المواد التي تناولتها المبادئ التوجيهية لإعداد التقارير تحت عنوان “البيئة الأسرية والرعاية البديلة”.

التعليم والطفلة

يوجد اليوم 125 مليون طفل في سن الالتحاق بالمدارس الابتدائية ولكنهم ليسوا ملحقين بها؛ ومعظمهم من الفنيات. وهناك أيضأ 150 مليون طفل آخرين يلتحقون بالمدارس الابتدائية ثم يتركونها قبل إكمال أربعة أعوام من التعليم؛ بل إن الأغلبية الساحقة متهم لا يكتسبون مهارات تربوية أساسية قبل تركهم المدرسة.

وفي كثير من ادول النامية، يكون التعليم الذي يتلقاه الأطفال بالغ الرداءة… “فالمدرسة” في معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا لا تزيد عن بناء خرب متداع لا سقف له ولا ماء نظيفا فيه، وبلا مراحيض في كير من الأحيان” ويجري تعليم ملايين الأطفال على أيدي معلمين غير مدربين في فصول ليس فيها ألواح ولا طباشير، ولا كراسي أو مقاعد للدراسة.

أما نسبة الفتيات الصغيرات غير الملتحقات بالمدارس فشل إلى اقين من كل ثلاثة أطفال لا يذهبون إلى المدرسة، ونتيجة لذلك، سيكون الجيل اكالي من البالغين الأميين، كما هي حال الجيل الحالي، من الإناث في معظمه. ويكمن في صميم الأنظمة التعليمية في العالم النامي التفرقة بين الجنسين إذ توزع الفرص بينهما ليس على أساس الحقوق وإنما على أساس الكروموسومات الموروثة.

إن حرمان هذه الملايين المديدة من الأطفال من التعليم ليس مأساة في حد ذاته فحسب، وإنما هو بمثابة شاهد إدانة للحكومات. وقبل نصف قرن من الزمان، اعتبرت المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التعليم حقا أساسيا من حقوق الإنسان، وهو حق أكدته من جديد اتفاقية حقوق الطفل التي أصبحت جميع دول العالم عدا دولتين أطرافا فيها، وتلزم الاتفاقية ادول الأطراف على نحو صريح بإتاحة حق التعليم لكافة الأطفال.

الخدمات الصحية الأساسية والرفاهية

إن كافة الأحكام المتعلقة بالصحة والرعاية الاجتماعية الواردة في اتفاقية حقوق الطفل تستند إلى مبدأ حق الطفل في البقاء على قيد الحياة والنمو. والتأكيد على أهمية النمو هو أمر بالغ الأهمية والحيوية في المادة المتعلقة بالأطفال المعوقين إذ من حق الطفل المعوق التمتع “بحياة كاملة وكريمة، في ظروف تكفل له كرامته وتعزز اعتماده على النفس وتيسر مشاركته الفعلية في المجتمع (المادة 23)

كما تثار مسألة عدم التمييز في المادة الرئيسية المتعلقة بالصحة، فعلى الدول الأطراف أن تبذل قصارى جهدها لتضمن ألا نحرم أي طفل من حقه في الحصول على خدمات الرعاية الصحية (المادة 24)

كما تنص المادة المذكورة على وجوب اتخاذ الحكومات الإجراءات المناسبة الكفيلة بتخفيض نسبة وفيات الرضع والأطفال، وتطوير نظام للرعاية الصحية الأولية للأطفال، ومكافحة الأمراض وسوء التغذية بشتى الوسائل، بما في ذلك توفير الأطعمة المغذية ومياه الشرب النقية، وكفالة الرعاية الصحية للأمهات، قبل الولادة وبعدها، ونشر المعلومات المتصلة بصحة الطفل وتغذيته، بما في ذلك توفير المعلومات المتعلقة بمزايا الرضاعة الطبيعية، ومبادئ الرعاية الصحية، والإصحاح البيئي، والوقاية من الحوادث، وكذلك وضع إرشادات للآباء وإتاحة الخدمات المتعلقة بتنظيم الأسرة.

بخلاف ذلك، تقف المادة ذاتها موقفا معارضا لختان الإناث، إذ تنص على “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الفعالة والملائمة بغية إلغاء الممارسات التقليدية التي تضر بصحة الأطفال” (المادة 24 (3))

كما تتناول اتفاقية حقوق الطفل قضية إعانات الضمان الاجتماعي، إذ قضي بأن تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل في الانتفاع بالضمان الاجتماعي، وأن تتخذ الإجراءات اللازمة في هذا الصدد (المادة 26). ولأطفال الآباء العاملين الحق في الانتفاع بخدمات رعاية الطفل (المادة 18(3)). أما الحق في النمو فهو أيضا أساس المادة الخاصة بالمستوى المعيشي الملائم التي تنمر على أن “تعترف الدول الأطراف بحق كل طفل في مستوى معيشي ملائم لنموه البدني والعقلي والروحي والمعنوي والاجتماعي” (المادة 27(1))؛ وعلى هذه الدول أن تقدم، عند الضرورة، المساعدة المادية وبرامج الدعم، ولا سيما فيما يتعلق بالتغذية والكساء والإسكان (المادة 27(3)).

ولأسباب واضحة، هناك قيود في هذه المواد تتعلق بالموارد؛ فالعناية الخاصة بالأطفال المعوقين مرهونة “بتوفر الموارد”، وعلى الدول اتخاذ إجراءات بخصوص المستوى المعيشي للطفل “في حدود إمكانياتها”.

وترد الإشارة إلى التعاون الدولي بخصوص كل من حقوق الأطفال المعوقين والأحكام الواردة في المادة الرئيسية الخاصة بالصحة. وتبرز هذه المادة مفهوم الإعمال التدريجي:

“تتعهد الدول الأطراف بتعزيز وتشجيع التعاون الدولي من أجل التوصل بشكل تدريجي إلى الإعمال الكامل للحق المعترف به في هذه المادة. وتراعي بصفة خاصة احتياجات البلدان النامية في هذا الصدد (المادة 24 (4)).

أيتام الإيدز

يعرف “أيتام الإيدز” بأنهم الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر الذين فقدوا أمهم أو أبويهم بسبب فيروس نقص المناعة البشرية المكتسب/الايدز.

وجدير بالإشارة أن كثيرون ممن يموتون نتيجة الإصابة بالإيدز ؛;صابون بهذا المحرض وهم في العشرينيات ويموتون في الثلاثينيات من أعمارهم، وقد قدر أن العدد الإجمالي لأيتام الإيدز بلغ 13 مليونا بحلول عام 2000؛ والغالبية العظمى من هؤلاء الأيتام في إفريقيا. وقبل ظهور ؛رض الإيدز، كان 2 في المائة تقريباً من مجموع الأطفال في العالم النامي من الأيتام؛ ولم يحل عام 1996 حتى كانت هذه النسبة قد قفزت إلى سبعة في المائة في كير من الأقطار الإفريقية بل وصل في بعض الأقطار إلى 11 في المائة.

وتولى بعض العائلات الممتدة رعاية بعض أيتام الإيدز واحتضانهم، لكنها تتخلى عنهم عادة حين تلمس فداحة العبء؛ وهكذا يترك معظم هؤلاء الأيتام لمواجهة أعباء الحياة وحدهم، وغالبا ما تكون الشوارع مصيرهم، حيث يمتهنون التسول، أو يبيعون المخدرات، أو يقومون بأعمال عارضة. وبالمقارنة بالأطفال الذين تيتموا لأسباب أخرى، تتزايد أخطار سوء التغذية والمرض والإيذاء والاستغلال الجنسي التي يتعرض لها أيتام الإيدز. فالأطفال أيتام الإيدز موصومون بالعار، مما يؤدي إلى عزلهم اجتماعيا وحرمانهم في كثير من الأحيان من التعليم وغيره من الخدمات الاجتماعية الأساسية.

الأنشطة التعليمية والترفيهية والثقافية

ترتبط الأحكام المتعلقة بالتعليم والترفيه والقافة في اتفاقية حقوق الطفل بمبدأ الحق في النمو. وهناك تأكيد على جانب عدم التمييز في المادة الرئيسية الخاصة بالحق في التعليم؛ فالتعليم الابتدائي يجب أن يكون إلزاميا ومتاحا مجانا للجميع إضافة إلى ذلك، يجب أن يكون التعليم الثانوي في متناول كل طفل؛ كما يجب تقديم المساعدات المالية عند الحاجة ويجب أن يكون التعليم العالي متاحا للجميع على أساس القدرات (المادة 28).

وتطالب المادة ذاتها الدول الأطراف في الاتفاقية باتخاذ التدابير اللازمة لخفض معدلات ترك الدراسة؛ وقد أكدت لجنة حقوق الطفل على أهمية اتخاذ ما يلزم من تدابير بهذا الخصوص، وذلك أقاء مناقشاتها للتقارير. وكان هناك، على وجه الخصوص، تساؤلات حول ما أكد من إجراءات لضمان التحاق البنات بالمدارس أسوة بالبنيين. ويواجه أطفال اقليات في بعض البلدان ظروفا مناوئة في هذا الصدد أيضا؛ فقد تشئ على أسرة الطفل التكاليف الحقيقية الباهظة لتعليمه؛ وهناك عامل هام آخر في هذا السياق وهو ما إذا كان التعليم متاح بلغة الطفل.

تخفيض معدلات ترك الدراسة

“في ولاية آندرا براديش الهند؛؟ تطورت مؤسسة م. فنكاتارانغايا وتنامت من بدايات متواضعة في خمس قرى إلى أن صارت توفر الفرص التعليمية لأكثر من 80 ألف طفل من 500 قرية.

“ونظرأ لأن المؤسسة كانت تعمل في منطقة تتسم بمعدلات مرتفعة من عمالة الأطفال، كما كانت معدلات التحاق الإناث بالمدارس منخفضة إلى أبعد الحدود، فقد كانت هناك أولوية ملحة بالتركيز على إلحاق الأطفال الصغار الذين ينتمون إلى أوساط عائلية تميل إلى تشغيل الأطفال بالمدارس الابتدائية. ئم وضع برنامج جديد للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين التاسعة والرابعة عشرة، والذين لم يلتحقوا بمدارس بسبب عملهم، كما تجاوزت أعمارهم سن الالتحاق بالدراسة، ويسعى “برنامج سد الفجوة” الذي قذم لهؤلاء الأطفال، والذي يدار الآن في المدارس القروية في الأغلب والأعم، إلى تهيئة هؤلاء الأطفال للتقدم إلى الدارس الحكولهة لاحقا.

“كان،عظم الأطفال الملتحقين بمدارس مؤسسة م. فينكاتارانغايا من العاملين في مزارع القطن، أو من الذين قذر لهم أن يلحقوا بأخوتهم وأخواتهم في هذا المجال من الأشغال. وقد أدت المستويات العالية من الديون العائلية المستحقة لمزارعي القطن نتيجة القروض عالية الفائدة التي تم اقتراضها خلال “موسم الجوع” إلى خلق دورة من الاسترقاق مدى الحياة وفاة للديون، مما وقر لأصحاب مزارع القطن فيضا دائما لا ينضب من الأيدي العاملة من الأطفال.

“ما هو سر نجاح مؤسسة م. فينكاتارنغايا؟ لقد كان توفير الفرص التعليمية أحد عناصر هذا النجاح. غير

أن ما كان بالأهمية ذاتها إنما هو حملة التعبئة السياسية الجماهيرية، والتي استهدفت، على وجه الخصوص، مالكي مزارع القطن إضافة إلى الآباء أنفسهم. وانضم ما يزيد عن 1500 معلم برابطة أطلق

عليها اسم “منبر المعلمين المناهضين لتشغيل الأطفال”، حيث انطلق هؤلاء إلى القرى لتوعية آباء الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بأهمية التربية والتعليم. كما ساعد هؤلاء المعلمون في لريب عدد كبير من أشباه المعلمين” كان معظمهم من أبناء القرى المحلية. وأنشئت مجالس للآباء والمعلمين في كل قرية، ساعد الآباء من خلالها في وضع المناهج وتطويرها، وفي وضع جدول اليوم الدراسي.(8)

وليس التعليم المدرسي معنيا بتعلم الحقائق والأرقام فحسب؛ إذ اهتمت اتفاقية حقوق الطفل بالروح

السائدة في المدرسة والقيم المراد غرسها في الأطفال. متوهة بأن مناهج التدريس يجب أن تكون موجهة إلى تنمية الطفل. وأن مقدار نظام الانضباط المدرسي على نحو ”يتمشى مع كرامة الطفل الإنسانية ويتوافق مع هذه الاتفاقية” (المادة 28(2)). وتفسر لجنة حقوق الطفل هذا على أنه يعني أن العقاب الجسدي لا يجوز السماح به في المدارس.

ويجب أن يهدف التعليم إلى تنمية شخصية الطفل ومواهبه بالإضافة إلى قدراته العقلية والبدنية إلى أقصى إمكاناتها ويجب أن يهيئ التعليم الطفل لحياة مسؤولة في مجتمع حر قائم على روح التفاهم والسلام والتسامح والمساواة بين الجنسين، والصداقة بين جميع الشعوب، والجماعات العرقية والقومية والدينية والأشخاص المنحدرين من السكان الأصليين. كما أن احترام حقوق الإنسان والبيئة الطبيعية يرد ذكرهما تحديدا في الاتفاقية (المادة 29).

وهناك مادة أخرى (المادة 31) تتناول حق الطفل في الراحة ووقت الفراغ واللعب؛ وتنص على حقه في

المشاركة الكاملة في الحياة القافية والفية. وعلى الحكومات أن “تشجع على توفير فرص ملائمة ومتساوية للنشاط الثقافي والفني والاستجمامي وأنشطة أوقات الفراغ. كما تنص المادة 28(3) على أن تقوم الدول الأطراف في الاتفاقية بتعزيز وتشجيع التعاون الدولي في الأمور المتعلقة بالتعليم.

الحماية من الاستغلال

إن كافة أحكام اتفاقية حقوق الطفل تهم جميع الأطفال؛ خذ مثلا على ذلك حقوق الطفل اللاجيء؛ والتي لا تقتصر على الجوانب المثارة في المادة 22، رغم أن هذه المادة خصصت لتناول حقوق مثل هذا الطفل إلا أن جميع الحقوق التي تتناولها مواد الاتفاقية يجب أن تكون متيسرة أيضا للطفل اللاجئ وقد جمعت لجنة حقوق الطفل بعض المواد التي تتناول حماية الأطفال في ظروف صعبة، ضمن المبادئ التوجيهية لإعداد التقارير تحت عنوان “تدابير خاصة للحماية”؛ ومن الجلي أن بعض تلك المواد يتعلق بالحقوق اقتصادية والاجتماعية والثقاقية. فالمادة 30 تتناول حق الطفل المنتمي إلى أقلية أو إلى السكان الأصليين في التمتع بثقافته.

والاستغلال بشتى أشكاله محظور بموجب خمس من مواد الاتفاقية، إحداها تتناول الاستغلال اقتصادي وحماية الطفل من أداء أي عمل “يرجح أن يكون خطيرأ أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارأ بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي”. وتشير هذه المادة إلى أحكام صكوك دولية أخرى، مثل اتفاقيات منظمة العمل الدولية ذات الصلة. وتطالب الحكومات بوضع أنظمة وقواعد تحدد السل الدنيا للعمل، ووضع نظام لساعات العمل وظروفه، وكذلك لعمليات التفتيش والمراقبة وإمكانية فرض العقوبات ضمان تنفيذ تلك المعايير (المادة 32)

وقد كان مضمون هذه المادة محل مناقشة مفصلة في يوم المناقشة العامة الذي نظمته لجنة حقوق الطفل في أكتوبر/تشرين الأول 1993. وألمح ممثلو بعض المنظمات غير الحكومية في أمريكا اللاتينية إلى أن ثمة تضاربا بين هذه المادة الواقية وبين “حق الطفل في العمل”. وأشارت تلك المنظمات إلى أن بعض الأطفال مجبرون على العمل لكسب رزقهم أو رزق عائلاتهم؛ وأن تحديد سن دنيا من شأنه أن يجعل عملهم غير قانوني، ويمتعهم من تنظيم أنفسهم لكفالة ما يلزم من ضمانات وتدابير الحماية.

ويتعلق هذا الأمر بالوجه الآخر من النهج الكلي أو الشمولي للاتفاقية؛ فإذا لم تنفذ أحكام هامة من اتفاقية حقوق الطفل، فإن بعض القواعد التي قصد منها دعم الطفل قد تكون لها آثار قمعية. غير أن ما انتهت إليه لجنة حقوق الطفل بهذا الخصوص لم يكن تشكيكا في صلاحية المادة، وإنما التأكيد على أنه لا يجوز وضع الأطفال في ظروف يواجهون فيها مثل هذه الخيارات السلبية. وهذا النهج في حد ذاته له آثاره على السياسة اقتصادية، وعلى المستوى “الكلي” أيضا.

والواقع أن المادة 32 تجيز تحديد أعمار دنيا مختلفة للعمل تبعا لطبيعته؛ فالأعمال الأخف تكون جائزة في الأعمار الأدنى. ومن المهم هنا أن تكون هناك سياسة واعية في هذا الميدان، وألا يكون هناك ما يضر بصحة الأطفال أو يقوض فرص تعليمهم. وهذا هو نفس النهج الذي تنحوه اتفاقيات منظمة العمل الدولية ذات الصلة.

وهناك نوع آخر من الاستغلال لا بد من مجابهته بشكل فعال؛ إذ يجب اتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية الأطفال من تعاطي المخدرات. كما ينبغي اتخاذ إجراء وقائي لمنع استخدام الأطفال في إنتاج مثل هذه المواد والاتجار بها المادة (33)

ويجب حماية الأطفال من جميع أشكال الاستغلال الجنسي والإيذاء الجنسي؛ كما يتوجب اتخاذ إجراءات وطنية وقائية ومتعددة الأطراف لمنع استخدام الأطفال في الدعارة وفي العروض والمواد الداعرة (المادة 34). وعلى نفس المنوال، يجب اتخاذ تدابير وطنية وقائية ومتعددة الأطراف لمنع اختطاف الأطفال أو بيعهم أو “الاتجار” بهم (المادة 35). وهناك، كيرا، مادة تطالب الحكومات، بوجه عام، بأن تحمي الأطفال من جميع أشكال الاستغلال “الضارة بأي جانب من جوانب رفاه الطفل” (المادة 36)

ولا ترد في هذه المواد أية إشارة إلى الإعمال التدريجي أو إلى قيود تتعلق بالموارد؛ والخلاصة هي أنه يجب تنفيذ هذه المواد فورأ وتشير الأبعاد الدولية الوارد ذكرها في عدد من المواد إلى الحاجة إلى التعاون لمواجهة الأنشطة الجنائية التي تتخطى الحدود الوطنية.

إجراءات التنفيذ

إجراءات التنفيذ العامة

إن مدى تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل أمر مرهون إلى حد بعيد بالإرادة السياسية؛ وأثناء صياغة المبادئ التوجيهية لإعداد التقارير، ارتأت اللجنة أن تؤكد بشدة على دور التدابير العامة، بما في ذلك التدابير ذات الطبيعة السياسية الهادفة لإعمال مبادئ وأحكام الاتفاقية واقترحت اللجنة إتباع منهج كلي شامل للإصلاح عملا بروح اتفاقية حقوق الطفل، وعلى اخل وضع إجراءات شجع على المراقبة المسترة لما لهز تنفيذه في هذا الميدان.

ومن الأهمية بمكان هنا نمل المادة الرابعة من الاتفاقية، التي تحدد التزامات سلوك أكثر مئها التزامات بتحقيق نتائج، فالتأكيد هنا منصب على ماهية الجهود التي تبذلها الدول الأطراف تعزيزا لتنفيذ اتفاقية حقوق الطفل. وهذا ينطبق أيضا على المادتين الأخيرتين اللتين جوى تناولهما ضمن المبادئ التوجيهية لإعداد التقارير تحت عنوان “تدابير عامة للتنفيذ” فالدول الأطراف ملزمة بجعل نص الاتفاقية وتقاريرها متاحة على نطاق واسع للجمهور (المادتان 42 و44(6)).

التدابير التشريعية والإدارية وغيرها:

يقع على عاتق الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الطفل مراجعة تشريعاتها وضمان تمشي قوانينها مع مضمون الاتفاقية وما ورد بها من أحكام، وعملية التوفيق القانوني هذه مهمة أيضا بالنسبة للعديد من الحقوق اقتصادية والاجتماعية والثقافية. فهناك حاجة لقوانين تحمي الأطفال من الاستغلال، مثلا، في سوق العمل الرسمية وغير الرسمية. ومن المهم أيضا أن تسر تشريعات تضمن إلزامية التعليم. كما وضعت معظم الأقطار معايير قانونية في مجالي الصحة والرعاية الاجتماعية لإرساء مبادئ معينة وضمان عدم التمييز.

وقد تتضمن “التدابير التشريعية… وغيرها” طائفة من التدابير التي تجعل التنفيذ فعالا؛ فالمبادئ التوجيهية لإعداد التقارير تتناول تأسيس أليك، على الصعيدين الوطني والمحلى، لتنسيق السياسات ورصد تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل. كما يوجد في بعض الأقطار الآن أمين للمظالم، أو لجنة خاصة، أو مؤسسة مهمة للقيام بمهام أمين المظالم فيما يتعلق بحقوق الطفل؛ والقصد من إنشاء معظم تلك الآليات هو ضمان وجود نظام مستقل لرصد التنفيذ.

كما يمكن وضع آليات أخرى لرصد ومراقبة حقوق الطفل، بما في ذلك إنشاء لجان للتظلم؛ وقد أنشأت عدد من البلدان لجان وطنية تعنى بحقوق الطفل وتتعاون في عملها مع المنظمات غير الحكومية. وعملية صنع القرار السياسي تعد في حد ذاتها، بالطبع، أمر ذو أهمية حاسمة؛ حيث يجب التأكد من أق مسائل حقوق الطفل تؤخذ مأخذ الجد في المجالس النيابية والمحلية؟ ولا بد من إتاحة الفرصة للأطفال أنفسهم ولممثليهم لعرض قضاياهم. ومن بين الأغراض الرئيسية المتوخاه من وراء الإجراءات التي أنشئت في إطار اتفاقية حقوق الطفل تشجيع المناقشات العلنية الحرة بخصوص حقوق الطفل.

وثمة جانب آخر أثارته اللجنة في هذا السياق، وهو أهمية جمع الحقائق الموثقة فيما يتعلق بأوضاع الأطفال؛ طرا لم يساهم به توفر معلومات دقيقة من إتاحة المجال لمناقشة الإشكاليات والوقوف على سبل العلاج على نحو أكثر إلماما وتركيزا. ومن ثم فإن تحسين قدرة المكتب الوطني للإحصاء يمكن أن تكون بمثابة إسهام أساسي في تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل.

ومن الأهمية بمكان بالنسبة لإعمال اتفاقية حقوق الطفل بشكل حقيقي وفعال أن يجري الاهتمام بعملية التربية والتعليم ودريب العناصر العاملة مع الأطفال مثل معلمي الحضانات وغيرهم من المعلمين، والأطباء المتخصصين في علم نفس الطفل، وأطباء الأطفال، وغيرهم من العاملين في مجال الصحة، إضافة إلى أفراد الشرطة والأخصائيين الاجتماعيين وغيرهم. فاكتساب هؤلاء المهنيين فهما عملها لحقوق الطفل أمرأ ذا أهمية بالغة.

تجنيد الأطفال

يقدر عدد الجنود الأطفال في مناطق العالم المختلفة بثلاثمائة ألف جندي طفل؛ ويتزايد هذا العدد كل عام نتيجة تجنيد أطفال جدد لاستخدامهم في النزاعات المسلحة. كما أن تطوير أسلحة خفيفة، مثل بندقية الكلاشينكوف 47مكم، جعل بالإمكان تسليح أطفال لا يتجاوزون الثامنة من العمر. ويجند هؤلاء الأطفال

في صفوف القوات المسلحة لأن تجنيدهم لا يتطلب من الجهد والعناء ما يتطلبه تجنيد الكبار، كما يسلس قيادهم ويسهل إخضاعهم مقارنة بالكبار؛ فهم أقل تكلفة لأنهم يتناولون طعاما أقل وأصغر الجنود المسجلين عمرا يبلغون نحو. سبع سنوات من العمر، في حين تطالب المادة 38 من اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 بعدم تجنيد أطفال دون الخامسة عشرة للمشاركة في صراعات مسلحة.

وتشمل الأحكام الرئيسية للبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة على التزام الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير الممكنة عمليا لكفالة عدم اشتراك أفراد قواتها المسلحة الذين يقل سنهم عن ثمان عشرة سنة اشتراكا مبشرا في الأعمال العدائية؛ كما لا يجوز لها أن تجبر أي أفراد لم يبلغوا سن الثامنة عشرة على الخدمة العسكرية (التجنيد القسري). كما يحظر البروتوكول قيام الجماعات المتمردة أو الجماعات المسلحة غير الحكومية بتجنيد الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم ثمان عشرا سنة أو استخدامهم في الأعمال العدائية. وتطالب الدول الأطراف بتجريم هذه الممارسات وأن تتخذ تدابير أخرى لمنع هذه الجماعات من تجنيد واستخدام الأطفال. كما يجب على الدول الأطراف في البروتوكول أن ترفع الحد الأدنى لسن التجنيد الطوعي فوق الحد الأدنى الذي يبلغ حاليا خمس عشرة سنة، ويجب أن تودع إقرارا ملزما ينص على العمر الأدنى الذي سيتم احترامه. ويجب أن تضع الدول الأطراف التي تقوم بتجنيد الأشخاص الذين يقل عمرهم عن ثمان عشرة سنة مجموعة من الضمانات لكفالة أن هذا التجنيد طوعي بالفعل، وأنه يتم بموافقة عن علم من والدي الشخص أو أوصيائه القانونيين، وأن يكون المجندون على علم كامل بالواجبات التي سيضطلعون بها في الخدمة العسكرية، والتأكد من عمر المجند.

ولئن كان بعض الأطفال ينخرطون في صنوف القوات المسلحة بمحض إرادتهم، فإن الكثيرين من الجنود الأطفال يتم تجنيدهم بالقوة. ثم إن الأطفال الذين يعيشون وحدهم في منطقة قتال، دون أي اتصال بالمدرسة أو بالعائلة، يكونون أشد عرضة من غيرهم لخطر تجنيدهم. وخلال الأعوام العشرة الماضية لقي ما لا يقل عن مليوني طفل (من الجنود والمدنيين) مصرعهم في النزاعات المسلحة، إضافة إلى ما يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين طفل أصبحوا معوقين٠ ويعانى حوالى عشرة ملايين طفل من اضطرابات شية بسبب الصراعات المسلحة، حيث شاهدوا القتلى يتساقطون حولهم، وكابدوا هول التعرض لخطر الموت.

ويتعرض الأطفال لشتى الأخطار عث مشاركتهم في الحرب، فهم يعرضون أنفسهم لأخطار هائلة، وكثيرا ما يتعرضون للقتل رميا بالرصاص، أو يصابون بالعاهات، أو يتعرضون للتعذيب أو الاغتصاب؛ ويحرمون من أهم حقوقهم الأساسية في البقاء على قيد الحياة والنمو؛ ويتفشى بينهم الإدمان على المخدرات والأمراض التي تنتقل جنسيا مثل الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية/الايدز.

إن الأطفال المجندين محرمون من طفولتهم؛ وهم يقعون في كثير من الأحيان ضحايا اضطرابات عاطفية شديدة، من بين أعراضها الحزن الشديد، واللامبالاة والكوابيس، والاكتئاب، وصعوبة التركيز، والنشاط المفرط صورة مرضية، والامتناع من تناول الطعام. ونخلف هذه الأهوال لديهم ندوبا تبقى معهم مدى الحياة؛ وإعادة تأهيل الجنود الأطفال عملية شاقة وطويلة؛ ولكن بدون تأهيلهم واندماجهم في المجتمع المحلي من جديد، لن يكون الجنود الأطفال قادرين على التكيف من جديد مع المبادئ والقيم السائدة في ذلك المجتمع .

الموارد

عملا بروح المبدأ القائل بترابط حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة، اتجهت النية أثناء صياغة اتفاقية حقوق الطفل إلى تجنب تقسيم الحقوق إلى مجموعتين — الحقوق اقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحية والحقوق المدنية والسياسية من ناحية أخرى — وذلك على النحو الذي انعكس في اعتماد عهدين دوليين منفصلين (العهد الدولي الخاص بالحقوق اقتصادية والاجتماعية والقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية)؛ ولا يوجد في نمى الاتفاقية سوى إشارة واحدة مباشرة إلى مصطلح “الحقوق اقتصادية والاجتماعية والقافية” المادة 4، الجملة الثانية).

ولو أدرج تحفظ عام في الاتفاقية يجعل تنفيذ أحكامها مشروطأ بتوفر الموارد، لكان من شأن ذلك أن يقوض أحكامها التي لم تكن النية تتجه إلى جعلها مرهونة بتوفر الموارد، كتلك الأحكام المتعلقة بالحقوق المدنية وعدم التمييز، فالمواد المناظرة لها في معاهدات حقوق الإنسان الأخرى غير مقيدة بأي شروط.

ومن ثم فقد ميزت المادة 4من الاتفاقية بين مجموعتي الحقوق على غرار التمييز الذي انعكس في اعتماد العهدين الدوليين. ولم يجر أي تعديل على الصياغة المقترحة بمسودة الاتفاقية بهذا الخصوص على نحو يأخذ بعين الاعتبار أن الحقوق اقتصادية والاجتماعية والقافية ليست هي الحقوق الوحيدة التي تتطلب موارد كبيرة لتنفيذها، وأن هناك جوانب أخرى لهذه الحقوق أقل تكلفة من غيرها، وهو الأمر الذي ترك المعنى الدقيق لمصطلح “الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والقافية” في هذا السياق بغير توضيح وأحد التفسيرات في هذا الصدد يقضي بألا يدرج ضمن ذلك سوى تلك المواد من الاتفاقية التي تشير صراحة إلى محدودية الموارد، مثلما هو الحال فيما يتعلق بالأطفال المعوقين والحق في مستوى معيشي ملائم (المادتان 23 و27).

ما الذي يعنيه بالضبط تعبير “الموارد المتاحة”؟ إنه يعني، بدرجة كبيرة، الموارد المالية المتوفرة طبعا. غير أن هناك أنواعا أخرى من الموارد، كتلك المتعلقة بالعاملين والخيرات الفنية، والقدرة التنظيمية؛ كما أن التقاليد، والقافة، والنضج السياسي هي عوامل هامة أخرى تتعلق بقدرة مجتمع ما على معالجة مشاكله. وحتى القيم، كالتسامح والاحترام المتبادل وروح التضامن، يمكن اعتبارها من قبيل الموارد.

وبالإضافة إلى ذلك، يجب ألا ينظر إلى الموارد باعتبارها أمرأ ثابتا لا يتغير؛ والبعد الديناميكي يكتسي أهمية سياسية، خاصة من المنظور بعيد المدى، وهو المقصود من تعبئة الموارد.(10) ورغم أن السلطات الرسمية هي المسؤولة مباشرة عن تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، فإن موارد المجتمع بأسره مهمة أيضا، بما في ذلك تلك المتوفرة في إطار المجتمع المدني. ويجب أن يكون هذا حافزا للدولة كي تكون متفتحة على المبادرات، وحريصة على تشجيعها، وتتعاون مع المنظمات غير الحكومية.

وتشغل قضية خصخصة المرات والخدمات العامة جانبآ من هذا النقاش؛ وإحدى الحجج الروحة دفاعا عن هذا التوجه هي على وجه التحديد تعبئة المزيد من الموارد؛ إذ اعتبرت الأنشطة التي يقوم بها القطاع الخاص أجدى اقتصاديا. ولا تتخذ اتفاقية حقوق الطفل موقفا أو آخر تجاه ما إذا كانت العيادات الصحية، مثلا، أو المدارس يجب أن تكون في أيدي القطاع الخاص أو القطاع العام؛ ولكن المهم هو احترام حقوق الطفل، وسوف تكون للدولة دائما هي المسؤولة في هذا الصدد.

وهناك قضية سياسية أخرى مثيرة للجدل تشغل جانبا من المناقشات الدائرة حول الموارد المتوفرة للخدمات المتعلقة بالطفل; فإلى أي مدى يمكن أن تضغط أو لا تضغط الموازنات خلال فترة كساد، أو أزمة اقتصادية؟ لقد وضعت موضع التنفيذ برامج تكييف هيكلي في العديد من الأخطار خلال الأعوام الأخيرة؛ وكان هذا تحتمه الضرورة الاقتصادية. فما هي الصلة بين هذه السياسات وحقوق الطفل؟

من البديهي أن وضع سياسة اقتصادية مسؤولة — ذات طرة مستقبلية — أمر يصب في مصلحة الأطفال. فمن المرغوب فيه بالنسبة لهم أن يخلق مجال للاستثمارات الضرورية، وأن تخفض الديون الخارجية؛ وهذا أمر لا ينبغي أن يكون منثار جدل. وهو يتعلق بالأساس بترتيب الأولويات الحالية والعمل على خفض الموازنات ولاقتصاد في النفقات. وناقشت منظمة اليونيسيف، وغيرها من المنظمات، موضوع الإصلاحات الهيكلية ذات الوجه الإنساني، بقصد وضع الضمانات التي تتحول دون إجراء تخفيضات ذات عواقب اجتماعية وخيمة.(11) ودعى الإعلان العالمي لبقاء اطفل وحمايته ونمائه وخطة العمل الخاصة به، واللذين اعتمدهما مؤتمر القمة العالمي من أجل اطفل الذي عقد في سبتمبر/أيلول 1990، إلى “تعديلات هيكلية تشجع النمو لاقتصادي العالمي، وبخاصة في البلدان النامية، وضمان رفاه الفئات السكانية الأكثر ضعفا، وخاصة الأطفال”.(ق1)

إن التبادل الدولي للأفكار والآراء في هذا المجال أمر حيوي؛ ويبدو أنه آخذ في النمو بالفعل؛ وقد أسهمت تأكيدات برنامج الأمم المتحد الأدائي وغيره من المنظمات على “التنمية البشرية” في خلق وعي أوسع بالأهمية لاقتصادية للاستثمار في البشر. وكثيراً ما يترد في تلك المناقشات التأكيد على المتطلبات الرئيسية اللازم تلبيتها من أجل الأطفال – أي التعليم الابتدائي وحق الحصول على الخدمات الصحية الأساسية؛ وهو ما أكده مؤتمر القمة العالمي من أجل اطفل المنعقد في سبتمبر/أيلول 1990.

ومثل هذا الترتيب للأولوية يتناسب تماما مع صياغة المادة 4 من اتفاقية حقوق اطفل التي تطالب الحكومات باتخاذ تدابير التنفيذ الملائمة “إلى أقصى حدود مواردها المتاحة”؛ وليس المقصود بذلك فتح الباب أمام البلدان محدودة الموارد للتحلل من التزاماتها التي تقرها الاتفاقية؛ وإنما يجب على جميع الدول الأطراف في الاتفاقية إيلاء الأولوية، في حدود إمكانياتها، لأعمال ما تضمنته الاتفاقية من حقوق وأحكام.

ووفقا لذلك؛ فإن البلدان الغنية بالموارد يجب أن تقدم خدمات للأطفال على مستوى مطلق أعلى مما هو ممكن بالنسبة للبلدان الفقيرة. ويجب أن ينظر إلى اتفاقية حقوق اطفل على أنها تضع قائمة بالحد الأدنى بالمتطلبات؛ وأنه يتوجب على الدول الأغنى أن تطالب نفسها بما هو أفضل وأكثر؛ كما يجب عليها أن توظف مواردها “إلى أقصى الحدود”. وتلك النظرة تجعل اتفاقية حقوق اطفل أكم صلة بالمجتمعات الغنية.

من ناحية أخرى، يتوجب على البلدان الفقيرة أن تسعى جاهدة، على الأقل، للوفاء بالحذ الأدنى من الالتزامات الجوهرية. وعليها أن تقوم بكل جهد ممكن، عند استخدامها لمواردها المحدودة، لظبية هذا الحد الأدنى من المتطلبات باعتبار ذلك أمرأ ذا أولوية كما أن الرصد ووضع الاستراتيجيات والبرامج هي أيضأ من الالتزامات الواقعة على عاتق الدولة، أيا كانت أوضاعها أو مواردها.

هناك فارق واحد واضح بين المادة 4من اتفاقية حقوق الطفل وبين المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق اقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ هو أن المادة 2 من العهد تسمح بإعمال معظم الأحكام والحقوق المعترف بها في العهد على نحو تدريجي، ومن أهم الأحكام التي ينبغي كفالتها على نحو فوري تلك المتعلقة بعدم التمييز بينما إمكانية الإعمال التدريجي هذه ليست واردة على الإطلاق في المادة 4 من اتفاقية حقوق الطفل، كما أن ما ورد بالمادة 4من الاتفاقية يتعلق فقط بمواد قليلة محددة في الاتفاقية. والنمر الأساسي على الحق في التعليم يستخدم عبارة “الإعمال الكامل لهذا الحق تدريجيا” (المادة 28 (1)). وقد أضفيت لمسة مهمة على المادة الرئيسية المتعلقة بالصحة، والتي تقر بحق الطفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه” (المادة 24 (1)) .

التعاون الدولي

تثير الكلمات الأخيرة في المادة 4 مسألة التعاون الدولي إذ تتحر على أن “تتخذ الدول الأطراف هذه التدابير إلى أقصى حدود مواردها المتاحة، وحيثما يلزم، في إطار التعاون الدولي”. وعلى أساس هذا المرجع، يبدو أن ما هو مقصود، جزئيآ على اخل، هو مساعدات التنمية.

كما يرد ذكر التعاون الدولي في مواد أخرى أيضا؛ وقد سبقت الإشارة إلى إحداها فيما تقدم، وهي المادة المتعلقة بوسائل إعمال الحق في الصحة (المادة 24(4)). كما توجد صياغة مهمة في المادة 28(3) بشأن الحق في التعليم، وفي المادة المتعلقة بحقوق الأطفال المعوقين. وتتضمن المادة 23(4) أيضا تأكيدا على تبادل المعلومات والمعرفة. إضافة إلى ذلك، هناك إشارات إلى المعايير والاتفاقيات الدولية في عدد من المواد؛ وكما هي الحال بالنسبة للحماية من الاستغلال الجنسي، هناك مطالبات بإجراءات ثنائية ومتعددة الأطراف في إطار يتخطى الحدود القومية (المادتان 34و35).

وثمة أيضا التزامات تتعلق بالتعاون الدولي، ورد الإشارة إليها ضمن اتفاقية حقوق الطفل. ويبقى السؤال، بالنسبة للأقطار المانحة، هو: ما هي الأولوية والتوجه اللذان يجب أن تحظى بهما البرامج المتعلقة بالأطفال في سياسة مساعدات التنمية الشاملة.

وقد ناقش مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل المنعقد في سبتمبر/أيلول 1990 أنواعا أخرى من التعاون في المجال اقتصادي، وأشار الإعلان الصادر عنه على سبيل المثال إلى أنه:

ينبغي أن ينظر المدينون والدائنون في الإعفاء من الديون من أجل الأطفال، بما في ذلك عمليات مقايضة الديون بالاستثمار في برامج التنمية الاجتماعية. ويطلب إلى المجتمع الدولي، بما في ذلك الدائنون من القطاع الخاص، العمل مع البلدان النامية والوكالات ذات الصلة لدعم الإعفاء من الديون من أجل الأطفال. (13)

الرصد والتنفيذ

لا تختك الإجراءات الدولية الموضوعة للإشراف على إعمال اتفاقية حقوق الطفل اختلافا كبيرا عن الإجراءات التي أنشت في إطار عدد من المعاهدات الدولية الأخرى لحقوق الإنسان نراجع الوحدة رقم 24 للإطلاع على تفاصيل إضافية بخصوص إجراءات لجنة حقوق الطفل). ولا تعد أعمال لجنة حقوق الطفل أهم جوانب جهود المراقبة والتنفيذ؛ فالإجراءات الوطنية أكثر أهمية وحيوية؛ فعلى صعيد هذه الإجراءات يمكن أن تكون المناقشات مفصلة بالقدر الكافي، وبالدرجة الكافية من الإلمام مما يسفر عن تحسينات حقيقية. والواقع أن الكثير من عمل اللجنة يهدف إلى تشجيع القيام بجهود وطنية فعالة لإعمال حقوق الطفل. وكذلك تعمل اللجنة على تحفيز المنظمات الدولية على دمج مبادئ وأحكام اتفاقية حقوق الطفل في برامجها.

وبنفس الروح حاولت اللجنة تطوير رؤيتها فيما يتعلق بكيفية قياس التقدم المحرز، وبادرت إلى فتح نقاش داخلي حول المؤشرات اقتصادية والاجتماعية. وفيما يتعلق بمجالي الصحة والتعليم استفادت اللجنة من الأهداف التي تبناها مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل المنعقد في سبتمبر/أيلول 1990. والتقدم المحرز في سبيل تحقيق هذه الأهداف يتمشى مع الوفاء بالالتزامات الواردة في اتفاقية حقوق الطفل، ويعكس إرادة سياسية داعمة لحقوق الطفل. ومع ذلك، تجد اللجنة نفسها مرغمة على تلمس طريقها عبر مشاكل أساسية تتعلق بكيفية إجراء مناقشة مجدية للأداء الحكومي فيما يتعلق باتفاقية حقوق الطفل. فاللجنة، مثلا، لا تزال تفتقر إلى أسلوب لتقييم الموازنات الرسمية وما تضمنه من مخصصات للأطفال بطريقة وافية.

وعلى اللجنة، في الوقت نفسه، أن تدرك أن اتفاقية حقوق الطفل، شأنها شأن سائر المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، إنما تحدد حقوقا فردية؛ وعلى الرغم من عدم وجود إجراء خاص بالشكاوى الفردية فيما يتعلق بهذه الاتفاقية (أي إجراء يمكن بموجبه للجنة أن تلقي والنظر في الشكاوى التي يقدمها أفراد خاضعين لولاية دولة طرف في الاتفاقية ويدعون فيها انتهاك حقوقهم المقررة في الاتفاقية من قبل تلك الدولة)، فإن اللجنة لا تستطيع الاكتفاء بالتوجهات العالمية فقط ولقد سعت اللجنة في معالجتها لهذا القصور إلى التركيز القوي والمكثف على مجموعات الأطفال المعرضة للأذى والضرر أكثر من غيرها، والتأكيد على مبدأ عدم التمييز. وفي حين ترحب اللجنة بارتفاع المعدل العام للالتحاق بالمدارس والدوام فيها، مثلا، فإنها تميل إلى التركيز على أولئك الذين يتركون الدراسة; من هم؟ وما الذي يمكن عمله لحماية حقوقهم؟

وهناك عامل ذو أهمية في مجال رصد التنفيذ، ألا وهو الطبيعة الدقيقة لالتزامات الدول الأطراف؛ فالكثير من مواد الاتفاقية تطالب الحكومات لا باحترام الحق ما فحسب، وإنما بحمايته أيضا وباتخاذ إجراءات ملموسة لتحقيقه؛ وهذا ينطبق إلى حد كبير على الحقوق اقتصادية والاجتماعية أيضا؛ وقد لا يكون التشريع وسن القوانين كافيا في العديد من جوانب اتفاقية حقوق الطفل؛ فقد يحتاج الأمر إلى إجراءات تتسم بالسبق والمبادرة كمان وضع أحكام الاتفاقية موضع التنفيذ. لقد قام نهخ اللجنة على أساس الافتراض بأن القصد هو تحقيق نتائج، لذلك ركزت على الأوضاع الحقيقية للأطفال، وعلى السؤال عتا إذا كانت اتفاقية حقوق الطفل تنعكس بالفعل في حياتهم اليومية.

المؤلف; توماس هامرمبرغ.

الهوامش

————————

  • اتفاقية حقوق الطفل، اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 25/44 المؤرخ في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، لتدخل حيز النفاذ في 2 سبتمبر/أيلول 1990، وفقا للمادة 49. لمراجعة نص الاتفاقية انظر; الأمم المتحدة، مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول (الجزء الأول،، جنيف، مركز الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، 1994، 1993، رقم المبيع1 94.XIV—Vol.1, Part، ص 241-271.
  • العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د21) المؤرخ في 16 ديسمبر/ كانون الأول 1966، تاريخ بدء النفاذ; 3 كانون الثاني/يناير 1976، وفقا لأحكام المادة 27.
  • اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اعتمدت من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها 180/34 المؤرخ في 18 ديسمبر/كانون الأول 1979، دخلت حيز النفاذ في 3 سبتمبر/محل 1981. لمراجعة نص الاتقاقية انظر; الأمم المتحدة، مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول (الجزء الأول)، مصدر سابق، ص 208227.
  • المادة 5(ب) من اتفاقية النماء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة،
  • المبادئ التوجيهية المتعلقة بشكل ومحتوى التقارير الأولية التي ينبغي على الدول الأطراف تقديمها في غضون سنتين من بدء نفاذ الاتفاقية بالنسبة للدولة الطرف المعنية، راجع وثيقة الأمم المتحدة CRC/C/5 (1991)
  • الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته ونمائه، والذي اعتمده مؤتمر القمة العالمي من آجل الطفل الذي عقد في سبتمبر/أيلول 1990، البند 10. هذا وقد عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة استثنائية معنية بالطفل وذلك خلال الفترة من 8 إلى 10 مايو/ايار 2002، للاطلاع على الوثيقة الختامية الصادرة عنها راجع وثيقة الأمم المتحدة 1.A/S—27/19/REV.
  • خطة العمل الخاصة بالإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته، التي اعتمدهما مؤتمر القمة العالمي من أجل الطفل الذي عقد في سبتمبر/أيلول 1990، البند 31. راجع أيضا وثيقة الأمم المتحدة 1.A/S27/19/REV، المصدر السابق.