احتجاز الأحداث – الجهود العربية لتطبيق الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في مجال الأحداث
الجهود العربية لتطبيق الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل في مجال الأحداث:
قامت البلاد العربية بجهود طيبة في اتجاه تحسين النظام القضائي الخاص بالأحداث إلا أنها مازالت بعيدة عن أدنى المعايير المطلوبة في هذا الصدد. فكثير من الدول العربية لديها صعوبة في تطبيق اتفاقية حقوق الطفل فيما يتعلق بالأحداث الذين يدخلون في خلاف مع القانون. وهناك عدد من المؤشرات في توصيات اللجنة يمكن أن تساعد على فهم عمق المشكلة. فقد طلبت اللجنة الدولية من البلاد العربية، القيام بإصلاح شامل لنظام قضاء الأحداث بحيث يصبح من الضروري إعادة النظر فيه ككل. والمشكلة تتمثل في عدد من الصعوبات الخاصة بحجز الأطفال مع الكبار، وطول فترة الحجز في انتظار المحاكمة، وظروف غير صحية للحجز، وعدم وجود فرص للتأهيل، وعدم تطوير نظام بديل لحرمان الأطفال من حريتهم، وعدم اتصال الأطفال بأهاليهم، وعدم تدريب القضاة ورجال الشرطة، وعدم وجود عون قضائي، وعدم وجود احترام كافي لقواعد القانون. وربما كانت الحاجة إلى إصلاح متكامل أحد أهم المؤشرات لفجوة تطبيق اتفاقية حقوق الطفل والبعد عن الرسالة الجوهرية للاتفاقية الدولية. ومع ذلك يجب القول بأن هناك خطوات جيدة خطتها الدول العربية تعد تقدما مهما في مجال قضاء الأحداث، وإن كان الوضع الكلي ما يزال غير مرضي إذا ما قورن بالتطور الحاصل في تطبيق الاتفاقية في مجالات أخرى.
فقد قدرت اللجنة الدولية لحقوق الطفل على سبيل المثال تقديرا عاليا ما أظهرته المملكة العربية السعودية من تقدم في ردها المكتوب في 16 يناير 2006 بالتأكيد على أن نظام متخصص في قضاء الأحداث قد أنشأ في المملكة للتعامل مع الأطفال الذين يدخلون في خلاف مع القانون، وأن الأشخاص اقل من 18 يحجزون في أماكن منفصلة عن الكبار وأن لهم الحق بأن يمثلهم محام، وأن سن المسؤولية الجنائية قد تم رفعه من 7 سنوات إلى 12 سنة. كما قامت بتقديم معلومات متعلقة بالأحداث الجانحين وعدد أماكن الحجز. ومع ذلك لم تكن قادرة على أعطاء بيانات إحصائية عن الأشخاص الأقل من 18 والذين ارتكبوا جرائم وبلغت للشرطة، والذين بقوا في الحجز قبل المحاكمة، وطول فترة بقائهم في الحجز، والذين تعرضوا للاعتداء وسوء المعاملة خلال بقائهم في الحجز، والذين حكموا وصدرت ضدهم عقوبات مثل الكبار. كما طالبت اللجنة الدولية المملكة بتطبيق إجراءات بديلة لحرمان الأحداث من حريتهم مثل الرقابة وخدمة المجتمع المحلي وإيقاف التنفيذ، بالإضافة إلى تدريب العاملين مع الأحداث على تقديم الدعم النفسي والدمج الاجتماعي وخاصة أولئك الذين حرموا من حريتهم، وتدريب القضاة ورجال الشرطة. كما أبدت اللجنة قلقها بشأن تزايد ظاهرة تهريب الأطفال في المنطقة وأوصت بإعادة النظر في التشريع الوطني لسن قانون متكامل ضد التهريب، وتقوية جهودها للكشف عن حالات الاستغلال الجنسي وتهريب الأطفال للتأكد من محاكمة الفاعلين وضمان الوضع القانوني للأطفال ضحايا التهريب والاعتداءات الجنسية، وتوفير إحصائيات متكاملة عن مدى وطبيعة الاستغلال الجنسي وتهريب الأطفال في المملكة وتطوير خطة وطنية شاملة ومتعددة التخصصات لوقاية ومحاربة الاستغلال الجنسي وتهريب الأطفال.
وفي اليمن أنشأت الدولة محاكم للأحداث وشرطة متخصصة، وقامت بتدريب القضاة والنيابات ورجال الشرطة والاخصائيين الاجتماعيين، كما أصدرت قانون حقوق الطفل في 2002م، وعدلت القانون الجنائي لتلغي عقوبة الإعدام على الأطفال أقل من 18 عاما، وهو ما يتوافق مع اتفاقية حقوق الطفل كاستجابة لتوصية لجنة حقوق الطفل رقم 20 للعام 1999. ورغم أن قانون الطفل يعد مكسبا ولا شك إلا أنه لا يعكس قواعد الاتفاقية فيما يتعلق بتحديد سن الطفل وإدارة قضاء الأحداث حيث عرف القانون الطفل بأنه كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر سنة من عمره ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك. كما عرف القانون الحدث بأنه كل طفل بلغ السابعة من العمر ولم يبلغ سن الرشد. وتنص المادة 125 من القانون بأنه إذا ارتكب الحدث الذي لم يتجاوز عمره عشر سنوات جريمة فلا يلاحق بأي عقوبة واردة في قانون العقوبات وإنما يحكم عليه بأحد التدابير الواردة في قانون الأحداث. وقد عبرت اللجنة الدولية عن قلقها من عدم وجود لجنة مستقلة لحقوق الطفل وأوصت بأن تقوي اليمن جهودها لتأسيس آلية متكاملة ودائمة لجمع المعلومات من خلال نظام الإحصاء الوطني موزع حسب النوع، العمر، الريف والحضر في كل المجالات التي تغطيها الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وتشمل كل الأطفال أقل من 18 سنة مع التركيز بشكل خاص على الجماعات الهشة منهم مثل الأطفال الذين انفصلوا عن أسرهم، الأطفال المعوقين، الأطفال المخالفين للقانون، اللاجئين والأطفال المهربين. ويجب على اليمن أن تطور مؤشرات لتراقب التطور الذي تم تحقيقه في مجال تطبيق اتفاقية حقوق الطفل وتتعرف على مردود السياسات التي تؤثر على الأطفال.
وفي ملاحظات اللجنة الدولية على تقرير جمهورية مصر العربية سنة 2001 أبدت اللجنة قلقها من اعتبار التسول والتغيب عن المدرسة جريمة يعاقب عليها القانون في المادة 96 من قانون الطفل. كما أشارت إلى غياب آليات للشكوي صديقة للطفل مستقلة وفاعلة موجهة للأحداث المحرومين من حريتهم وعدم ضمان الحق في التأهيل الاجتماعي. وأوصت اللجنة الحكومة المصرية بضمان فصل الأطفال عن الكبار في أماكن الاحتجاز في انتظار المحاكمة، وتطوير برامج للشفاء النفسي والبدني والدمج الاجتماعي للأحداث. وتقوم مصر حاليا بمراجعة قانون الطفل بالشراكة مع المجتمع المدني. وقد أطلقت في يونيو 2006، خلال اللقاء الإقليمي التشاوري لمناهضة العنف ضد الأطفال والذي عقد بالقاهرة، خط النجدة للأطفال كأحد آليات الشكوى المستقلة للأطفال ضحايا العنف.
وجاءت ملاحظات اللجنة الدولية على تقرير السودان لتشدد على ضرورة إلغاء عقوبة الإعدام على جريمة ارتكبها الحدث عندما كان أقل من 18 سنة وكذلك عدم الحكم بالسجن المؤبد بدون أمكانية الإفراج. كما أوصت بإلغاء العقوبة البدنية بما في ذلك عقوبة الجلد، وقطع الأعضاء أو أي شكل من أشكال العقوبات غير الإنسانية على الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم قبل بلوغ الثامنة عشر، وعدم تجريم الأطفال الذين ليس لهم سكن أو أسر أو المتسولين أو من هم في نفس الوضع. والجدير بالذكر أن السودان أصدرت قانون الطفل في 2004 والذي ينص على ضرورة التعامل مع الحدث من خلال نظام قضائي متخصص وعلى أهمية تدريب القضاة في مجالات التربية وأساليب التعامل مع الأطفال بالإضافة إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة بالطفل والتي يكون السودان طرفا فيها. إلا أن السودان لم تلغي عقوبة الإعدام وعقوبة الجلد بعد. وهو ما أنتقده كثير من المهتمين بشؤون الطفل. كما أن دور رعاية الأحداث تتبع مصلحة السجون ولا تتبع الجهات المختصة بالرعاية كما هو الحال في كثير من البلاد العربية. ويقوم المجلس القومي لرعاية الطفولة حاليا بالعمل على اقتراح مواد قانونية لحماية الأحداث بالتعاون مع الوزارات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والعمل على إيصالها إلى المجلس الوطني. ونأمل أن تساعد هذه المقترحات في تعديل بعض مواد القانون. وقد بدأ العمل تدريجيا بالفعل على تأسيس قضاء أحداث متخصص.
فيما يتعلق بملاحظات اللجنة الدولية للبنان في مارس 2002، أكدت اللجنة على ضرورة فصل الأحداث خاصة الفتيات عن الكبار وتأسيس نظام لقضاء الأحداث مدمج كلية في تشريعها ويطبق التدابير الاحتياطية للاتفاقية وخاصة المواد 37، و39، و40 ومعايير الأمم المتحدة ذات الصلة بقضاء الأحداث. كما أشارت إلى ضرورة أن لا يستخدم إجراء منع الحرية إلا كملاذ أخير، والتعامل مع الأطفال المخالفين للقانون بطرق مختلفة عن الأطفال المعرضين للخطر وعدم وضعهم في نفس المؤسسة أو تطبيق نفس النظام والقيود عليهم. وقد أصدرت لبنان بالفعل قانون الأحداث رقم 422 في يونيو 2002 والذي تضمن بعض من المعايير الدولية لقضاء الأحداث.
وحول تقرير دولة الإمارات يونيو 2002 شددت اللجنة الدولية على ضرورة التأكد من أن الأطفال يحصلون على مساعدة قانونية ووجود وآليات للشكوى فعالة ومستقلة. كما أوصت بأن يوضع في الاعتبار إجراءات بديلة لحرمان الأحداث من حريتهم مثل الوضع تحت المراقبة أو خدمة المجتمع المحلي علاوة على تدريب العاملين في مجال الشفاء والتأهيل الاجتماعي للأطفال، وتدريب أعضاء المهن القانونية وخاصة القضاة للاستجابة لمتطلبات النوع الاجتماعي. كما شجعت حكومة الإمارات بالتوقيع على البروتوكولين الاختياريين المتعلقين ببيع الأطفال، واستخدام الأطفال في الدعارة والصور الإباحية وأيضا البروتوكول الخاص بإشراك الأطفال في النزاعات المسلحة.
وقد أوصت اللجنة جميع البلاد العربية التأكد من تطبيق معايير قضاء الأحداث وخاصة المواد 37، 39، و40 من اتفاقية حقوق الطفل وأيضا معايير الأمم المتحدة في قضاء الأحداث. وركزت بشكل خاص على النقاط التالية:
– رفع سن المسؤولية الجنائية إلى مستوى مقبول دوليا.
– تطوير نظام فعال بديل لنظام العقوبات لمن هم أقل من 18 عام ممن خالفوا القانون مثل خدمة المجتمع المحلي والعدالة الترميمية أو القائمة على التصالح للتأكد من أن حرمان الأطفال من حريتهم يستخدم كملاذ أخير.
– ضمان أن جميع الأطفال لهم الحق في مساعدة قانونية ملائمة.
– جعل حرمان الأطفال من حريتهم لأقصر فترة مناسبة من خلال استخدام إيقاف التنفيذ أو الإفراج المشروط مثلا.
– التأكد بأن الأطفال أقل من 18 عام مفصولين عن الكبار.
– التأكد بأن الأطفال أقل من 18 عام يظلون على اتصال بأسرهم بشكل منتظم.
– تدريب القضاة ومنفذي القانون بشكل مستمر.