المساعدة القانونية
ارتبط مفهوم العدالة في التاريخ الحديث بالتقاضي أمام المحاكم التي أنشأتها الدول لتكون فيصلاً في النزاعات الحقوقية وحكماً عدلاً في إيقاع العقوبات على مرتكبي الجرائم، بهدف ضمان الحقوق وفرض سيادة القانون كنتيجة نهائية.
إلا أن الممارسات العملية مع مرور السنوات أظهرت عجز فئات غير مقتدرة مادياً عن الوصول للنظام القضائي والاستعانة بمحام يمثلها لضمان المحاكمة العادلة، مما أدى لظهور ما يعرف بالمساعدة القانونية، إحدى أهم حلقات التمكين القانوني.
وتطلب الأمر عشرات السنين منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن الماضي، حملت خلالها نقابات المحامين ومكاتبهم الخاصة ومؤسسات المجتمع المدني مسؤولية خدمة الفقراء بلا مقابل، قبل أن تدرك حكومات العديد من الدول ضرورة دعم هذا المفهوم وترسيخه كحق أساسي، وإصدار التشريعات اللازمة لمأسسة المساعدة القانونية في تلك البلدان.
وبالنظر إلى الأنظمة العالمية الثابتة في الوقت الحالي، تنقسم خدمات المساعدة القانونية إلى قسمين أساسيين على الأقل: الاستشارات القانونية لكل من يحتاجها، والتمثيل القانوني للفقراء والفئات المستضعفة في المجتمع. في حين تختلف نماذج تقديم هذه الخدمات من دولة إلى أخرى من حيث أساليب تقديم الخدمة وآليات متابعتها وضبط جودتها، ونطاق شمولها، فيما يتوافق مع القدرات الاقتصادية والخصائص الاجتماعية والديموغرافية لكل دولة.
وبصرف النظر عن الاختلافات التطبيقية والتباين في الممارسات والوسائل، يبقى من الثابت أن المساعدة القانونية حق من حقوق الإنسان يجب على الدول أن تكفله، كونها تعتبر الضمان الأمثل لحق الوصول لنظام العدالة وحق الدفاع والاستعانة بمحام، بناء على قاعدة المساواة بين الجميع بصرف النظر عن قدراتهم المالية ومكانتهم الاجتماعية أو أساس آخر للتمييز.